كيف نحافظ على التراث الثقافي غير المادي للبنان وماذا يحتوي؟ كيف يمكننا أن نجعل أكبر عدد ممكن من الناس يدركون أهمية هذا التراث وثروته غير المعروفة، من الزجل إلى العمل الحرفي مرورًا بالدبكة؟ وكيف يتم تعزيز الموارد البشرية والمؤسسية لحماية هذه الثروة؟ هذه بعض الأسئلة الّتي تهمّ اليونسكو، والتي أطلق مكتبها الإقليمي في بيروت عام 2017 مشروعًا تدريبيًا بتمويل من حكومة اليابان، نفّذه مكتب بيروت بالتعاون مع اللجنة الوطنية اللبنانية لليونسكو. ويهدف المشروع إلى معالجة النقص في الأشخاص المجهزين للقيام بأنشطة احصاء وحماية التراث الثقافي غير المادي.
وبعد أن ساعد برنامج بناء القدرات هذا في إنشاء شبكة وطنية من المدرّبين، تمّ تنظيم ورشة عمل لتدريب المدربين لمدة 5 أيام في تموز 2021، في فندق Lancaster Plaza، لاختتام المرحلة الأولى من المشروع بعد 4 سنوات من العمل، وبهدف تعليم متدرّبين جدد في المستقبل من أجل نقل هذه المعرفة المكتسبة إلى أعضاء آخرين في مجتمعاتهم أو المنظمات غير الحكومية أو الطلاب، بهدف توسيع ونشر المعرفة حول التراث الثقافي غير المادي وصونه في جميع أنحاء البلاد.
“التراث الثقافي غير المادي هو تراث قديم ينتقل من جيل إلى جيل ولا يزال حاضرًا حتى اليوم بأشكال مختلفة”، كما توضح بين دورتين الدكتورة آني تابت، عالمة الأنثروبولوجيا التي تدرب المدربين الـ25 المشاركين والذين يمثلّون مناطق مختلفة من البلاد. “لبنان بلد غنيّ جدًا من حيث التراث الثقافي غير المادي، وهذا يعود إلى تنوع مجتمعاته وطوائفه. ولكن هناك أيضًا عناصر مشتركة بين جميع المجتمعات الموجودة على النطاق الوطني، مثل الزجل، والدبكة، والمطبخ اللبناني، والحرف اليدوية، وسكاكين جزين، مما يوفّر إحساسًا بالهوية والاستمرارية للمجتمعات”.
في تقييمٍ للمشروع، تؤكد الخبيرة على أهمية هذا النوع من التدريب لزيادة الوعي حول هذا الموضوع، “في وقت أدّت فيه العولمة، والمجتمع الاستهلاكي، وتجارة الاستيراد إلى تقليص بعض مهارات وعناصر هذا التراث”. وتضيف الدكتورة تابت وهي أيضًا عضو في الشبكة الدولية لميسّري اليونسكو لاتفاقية عام 2003 لحماية التراث الثقافي غير المادي: “نحن نعمل أيضًا مع المدارس، والجامعات، والمنظمات لنشر هذه المعرفة، ونأمل في استمرار هذه الجهود التي ليست سهلة من حيث التمويل مع الأزمة الاقتصادية”.
على الرغم من توقيع لبنان لاتفاقية اليونسكو في عام 2007، فإن بلاد الأرز في حاجة ماسة إلى سياسة ثقافية قطاعية لحماية التراث الثقافي غير المادي. وقد أعدّت ورشة العمل المدربين لنقل ونشر مبادئ هذه الاتفاقية في جميع أنحاء البلاد. على مدى أسبوع، راجع المشاركون مواد بناء القدرات التي تم شرحها في ورش العمل السابقة، مع التركيز على مواضيع مهمة مثل الروابط بين حماية التراث الثقافي غير المادي والتعليم، والتنمية المستدامة وحالات الطوارئ.
“من خلال هذا المشروع، الذي بدأ قبل بضع سنوات، يمكننا أن نقول اليوم إننا على دراية تامة باتفاقية عام 2003. الدورات ممتعة ومفيدة في نفس الوقت، ونحن نستفيد من تنوّع المشاركين من حيث تبادل الخبرات”، تقول أهيلة مرتضى، إحدى المشاركات في ورشة العمل. هي أصبحت اليوم جزء من شبكة حقيقية تجمع الجهات الفاعلة في هذا المجال، وأعضاء المجتمعات، والمنظمات غير الحكومية، والأكاديميين، والمسؤولين من عدة وزارات، جمعتها اليونسكو في إطار المشروع لتشارك في مشروع حماية التراث الثقافي غير المادي في لبنان. بالنسبة لهذه المنسقة في مؤسسة تعليم فني في صور، يتطلّب التعافي الاجتماعي في لبنان الحفاظ على هذه الممارسات وأوجه المعرفة التي تشكّل التراث الثقافي غير المادي. وتضيف: “يجب علينا حماية هذه المعرفة ونقلها إلى زملائنا في المدارس ودمجها، على سبيل المثال، في المناهج الدراسية. لا يفهم الجمهور بالضرورة أن التراث الثقافي غير المادي ليس فولكلورًا ثابتًا ولكنه تراث حيّ يتغير وفقًا لاحتياجات الناس وبيئاتهم”.
آراءٌ يتشاركها معها جورج رزق، مدير إداري في مدرسة في عكار ومحبّ لفنّ الزجل، والذي يعتبر أن التراث الثقافي غير المادي معروف نظريًا ولكنه غير معروف على المستوى العملّي. يشرح قائلاً: “إن تقطير ماء الورد هو كيمياء. بناء القوارب هو فيزياء. وهكذا نتمكن من تضمين فكرة التراث الثقافي غير المادي في البرامج التعليمية. إذا كانت الأزمة تتطلب العودة إلى الزراعة والجذور، فسنحتاج إلى إحياء العديد من المهن التقليدية. إن حماية التراث والحفاظ عليه يساهمان في تنمية النشاط الاقتصادي واستعادته وهو أمر ضروري الآن”.
وفي الختام، قام كل من المهندس جوزيف كريدي، مسؤول القطاع الثقافي في مكتب اليونسكو الإقليمي في بيروت، والسيدة رمزة جابر سعد، الأمينة العامة المساعدة للجنة الوطنية، بتوزيع شهادات على المشاركين. على المدى القصير والمتوسط، سيكون المشروع الذي يدخل الآن مرحلة جديدة، قد تمكّن حتى الآن من تعزيز القدرات الوطنية لحماية التراث الثقافي غير المادي الموجود في لبنان، مع أوسع مشاركة ممكنة للمجتمعات والمنظمات غير الحكومية والمنظمات المعنية، وقدّم المساعدة التقنية لصون التراث الثقافي غير المادي على عدة مستويات.